• العنوان:
    المكبِّرون في سجون الأمن السياسي.. حكايات مؤلمة من زنازين الصمود [الحلقة 13]
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    خاص | 04 مايو | منصور البكالي | المسيرة نت: في قلب زنازين الأمن السياسي، حيث تتلاشى الإنسانية وتُستبدل بالظلام والقسوة، يقبع الحاج يحيى اليوسفي، أحد الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لرفعهم شعار الصرخة في وجه المستكبرين، صوته، وإن خفت مع مر السنين، لا يزال يحمل في طياته غصة عميقة وذاكرة مثقلة بأيام التعذيب والهوان. 
  • كلمات مفتاحية:

"أنا أحد سجناء الحرب الأولى على ذمة الشعار"، يبدأ الحاج يحيى حديثه بنبرة تخترق الصمت، "استُجْنَّا هنا وكانت المعاملة سيئة للغاية"، كلماته ترسم صورة قاتمة لزنازين ضيقة مكتظة، حيث يُكدس خمسة عشر سجينًا في مساحة بالكاد تتسع لأجسادهم المتعبة، أما القادة من المجاهدين، فكان لهم نصيب آخر من العذاب، زنازين انفرادية تضاعف من وطأة الوحدة والقهر. 

ويسترسل واصفًا المعاملة اللاإنسانية التي كانوا يتعرضون لها في كل مراحل الاعتقال والتحقيق ودخول السجن، "كان دخولنا الزنزانة أو خروجنا منها، وتحركنا للتحقيق، تحت وطئ الرعب والصياح". 

يتوقف قليلًا، وكأن المشهد يعود ليحيى في ذاكرته بكل تفاصيله المؤلمة، ثم يتابع: "كان من بيننا الأخ الشهيد العلامة أبو خالد -رضوان الله عليه-، كان الناس كلهم يعرفونه بعلمه، وهو من طلاب سيدي بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-، ورفيق الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-".

تتجلى في عينيه مرارة لا تُنسى وهو يستعيد تلك اللحظات القاسية، وتنطق شفتاه بالقول: "عندما اعتقلوه، أبا خالد علقوه في شباك الباب الحديدي، كجسدٍ مكسورٍ تتهاوى روحه، ظلَّ معلقاً يومين كاملين، بينما يُخرجون السجناء واحداً تلو الآخر ليروه… عالِماً جليلاً، انظروا هذا مصيرُ من يردد الصرخة ضد أمريكا وإسرائيل، وهذا المصير المنتظر لكم؟"، ومن أجل تخويفنا والنيل من نفسياتنا ومعنوياتنا الصامدة أمام قهرهم".

كان صوت اليوسفي يرتجف كلما تذكر الوجوه التي شاهدت أبا خالد، وكيف تحوَّل جسده إلى رسالةٍ مُعلَّقةٍ في الهواء، تُذكِّر الجميع بأن كلمة حقٍّ في وجه طغاة العصر تتطلب الجهوزية والاستعداد للشهادة في سبيل الله. 

حتى أبسط حقوق الإنسان كانت مُنتهكة، "المصاحف ممنوعة"، يقول بصوت خافض، "أثناء الاعتقال يجردوننا من كل الأوراق، وأي حاجة ممكن نقرأها يأخذونها منا، أما مصاحف القرآن الكريم، ممنوع علينا، وكأنه كتاب يشكل خطراً على السجان، أو محظور في زمن الوصاية الأمريكية".

ويضيف واصفًا أساليب الترهيب النفسي التي كانوا يمارسونها: "أثناء الاستدعاء لنا، كانوا يربطون أعيننا، وفي أثناء المشي، كانوا العساكر من أمامنا ومن خلفنا، يخوفوننا بكلمات: انتبه لا تسقط في البير، وهم يأخذوننا إلى المحقق، وهذا كان ترهيباً نفسياً يسبق تعذيب المحقق".

أما في غرفة التحقيق، فكان المشهد أكثر قسوة: "أجبروني على رفع يديّ نحو السقف لساعات، وإن خفضتهما يُنهال عليَّ بالضرب. والمحقق… ذلك الرجل الذي يشتم ويسب ببذاءة، ادعى يهوديته، وصرخ في وجهي: لماذا تلعنون اليهود؟ أنا يهودي!"، هكذا حوّلوا التحقيق إلى مسرحٍ لسحق الكرامة، حتى اللعنات لليهود صارت جريمة. 

يكشف الحاج يحيى عن جانب آخر من الحرب التي كانت تُشن ضدهم، وهي الحرب الفكرية والثقافية: "وفي أحد المرات وهو يحقق معي أخرج لي ملزمة من ملازم سيدي حسين -رضوان الله عليه-، قلت له: ما هذه؟ قال لي: ملزمة، اقرأ ما فيها. داخلها قرآن كريم، قال لي: داخلها 'مجابر تحريض'، وكان يسألنا في التحقيق عن أي القنوات التلفزيونية نشاهد".

ثم ينتقل بوصفه إلى الزنزانة التي احتضنت آلامهم: "هذه هي الزنزانة التي سُجنت فيها، كانت يومها لا بلاط ولا تهوية ولا فرش، صارت اليوم مفروشة وفيها شاشة، وقطارة للماء، ومصاحف وكتب وملازم، وباقي الأكل موجود فيها".

يتنهد بحسرة وهو يتذكر الظروف القاسية التي عاشوها: "كنا نشرب الماء من الحمام، ويقدم لنا أردأ أنواع الأكل وبكمية قليلة جداً، وكانت الإضاءة كبيرة ومزعجة من المصابيح الحمراء، تخطف الشاعر، وتنشف العقل وتطير النوم، كان يشغلونها نصف الليل أول ما نخلد للنوم".

لكن الأقسى كان ليلاً، حين يدق السجان الباب بعنف، ويُجبرهم على الخروج إلى "الميدان"، حيث ينتظرهم الضرب كطقسٍ يومي، هنا يقول بصوت يعكس صبرًا عظيمًا: "كان يجي السجان يدق علينا الباب بقوة ونحن نائمون، ويخرجنا للعذاب".

لكن كنا نتلقّى كل ذلك العذاب بصبر واحتساب في سبيل الله، لم ننزعج أو نسخط يومًا من موقفنا، أو نفكر بالتراجع عنه، بل كنا نعتبر ذلك تضحية في سبيل الله، ونثق بنصر الله وتمكينه."

يتابع الحاج يحيى شهادته بمرارة ممزوجة بالدهشة: "كان تعاملهم مع سجناء الصرخة أبشع من تعاملهم مع أي فئة من السجناء الآخرين، كانت معاملتهم مع القتلة والمجرمين والمفسدين، وأصحاب القاعدة، تعاملًا طيبًا، وكانوا يدخلون لهم طعامًا، بل بعضهم كانوا يهربونهم من داخل الزنازين."

ويضيف بأسى: "من يردد الصرخة في السجن، ويقول: الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، ومن يتثقف بثقافة القرآن الكريم، من يعود على الله، ويهتم بشأن أمته، وشعبه، ودينه، ويحرص عليها، وعلى المقدسات، أو يذكرها، كان في نظرهم مجرمًا، ويتعاملون معه بقسوة وبشاعة ولا إنسانية."

اليوم، تحوَّلت الزنزانة إلى مكانٍ يروي قصة الصمود، لكن اليوسفي ما زال يحمل في قلبه صوت أبو خالد المُعلّق، وصورة المحقق الذي اعترف بيهوديته، وصرخة السجين الذي فضّل الموت تحت التعذيب على التنازل عن موقفه، والتعهد بعدم ترديد الشعار.

في هذه الشهادة المؤلمة، تتجسّد قسوة الظلم وصلابة الإيمان، وتنكشف حقيقة مرة عن ثمن قول الحق في وجه الطغيان المستكبرين، وتكشف معها زاوية مظلمة في تاريخ الشعب اليمني إبّان حكم السفارات الغربية وأحذيتها العميلة؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قوائم التشغيل
خطابات القائد