• العنوان:
    سلسلة روائع الأدب اليمني.. الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني ح1.. إعداد حسن المرتضى
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    خاص| 08 ديسمبر | المسيرة نت: مجموعة من روائع الشاعر الكبير عبدالله البردوني
  • التصنيفات:
    ثقافة
  • كلمات مفتاحية:

مجموعة من روائع الشاعر الكبير عبدالله البردوني

 

(مصطفى)

فليقصفوا، لست مقصف

وليعنفوا، أنت أعنف

وليحشدوا، أنت تدري

أن المخيفين أخوف

أغنى، ولكن أشقى

أوهى، ولكن أجلف

أبدى ولكن أخفى

أخزى ولكن أصلف

لهم حديد ونار..

وهم من القش أضعف

* * *

يخشون إمكان موتٍ

وأنت للموت أألف

وبالخطورات أغرى

وبالقرارات أشغف

لأنهم لهواهم..

وأنت بالناس أكلف

لذا تلاقي جيوشاً

من الخواء المزخرف

* * *

يجزئون المجزا..

يصنفون المصنف

يكثفون عليهم..

حراسة، أنت أكثف

* * *

كفجأة الغيب تهمي

وكالبراكين تزحف

تنثال عيداً، ربيعاً

تمتد مشتىٍ ومصيف

نسغاً إلى كل جذر

نبضاً إلى كل معزف

* * *

ما قال عنك انتظار

: هذا انثنى، أو تحرف

ما قال نجم: تراخى،

ما قال فجر: تخلف

تسابق الوقت، يعيا

وأنت لا تتوقف

فتسحب الشمس ذيلاً

وتلبس الليل معطف

* * *

أحرجت من قال: غالى

ومن يقول: تطرف

إن التوسط موت

أقسى، وسموه: ألطف

لأنهم بالتلهي

أرضى وللزيف أوصف

وعندك الجبن جبن

ما فيه أجفى وأظرف

وعندك العار أزرى

وجهاً، إذا لاح أطرف

* * *

يا “مصطفى”: أي سر

تحت القميص المنتف

هل أنت أرهف لمحاً

لأن عودك أنحف؟

أأنت أخصب قلباً

لأن بيتك أعجف؟

هل أنت أرغد حلماً

لأن محياك أشظف؟

لم أنت بالكل أحفى

من كل أذكى وأثقف؟

من كل نبض تغني

يبكون “من سب أهيف”

إلى المدى أنت أهدى

وبالسراديب أعرف

وبالخيارات أدرى

وللغرابات أكشف

وبالمهارات أمضى

وللملمات أحصف

* * *

فلا وراءك ملهى

ولا أمامك مصرف

فلا من البعد تأسى

ولا على القرب تأسف

لأن همك أعلى

لأن قصدك أشرف

لأن صدرك أملى

لأن جيبك أنظف

* * *

قد يكسرونك، لكن

تقوم أقوى وأرهف

وهل صعدت جنياً

إلا لترمى وتقطف

* * *

قد يقتلونك، تأتي

من آخر القتل أعصف

لأن جذرك أنمى

لأن مجراك أريف

لأن موتك أحيا

من عمر مليون مترف

* * *

فليقذفوك جميعاً

فأنت وحدك أقذف

سيتلفون، ويزكو

فيك الذي ليس يتلف

لأنك الكل فرداً..

كيفية، لا تكيف..

* * *

يا “مصطفى”، يا كتاباً

من كل قلب تألف

ويازماناً سيأتي

يمحو الزمان المزيف

1986م

 

 

(يوم المعاد)

يا أخي يا ابن الفدى فيم التمادي

وفلسطين تنادي وتنادي؟

ضجت المعركة الحمرا.. فقم:

نلتهب.. فالنور من نار الجهاد

ودعا داعي الفدى فلنحترق

في الوغى، أو يحترق فيها الأعادي

يا أخي يا ابن فلسطين التي

لم تزل تدعوك من خلف الحداد

عد إليها، لا تقل: لم يقترب

يوم عودي قل: أنا “يوم المعاد”

عد ونصر العرب يحدوك وقل:

هذه قافلتي والنصر حادي

عد إليها رافع الرأس وقل:

هذه داري، هنا مائي وزادي

وهنا كرمي، هنا مزرعتي

وهنا آثار زرعي وحصادي

وهنا ناغيت أمي وأبي

وهنا أشعلت بالنور اعتقادي

هذه مدفأتي أعرفها

لم تزل فيها بقايا من رماد

وهنا مهدي، هنا قبر أبي

وهنا حقلي وميدان جيادي

هذه أرضي لها تضحيتي

وغرامي ولها وهج اتقادي

ها هنا كنت أماشي إخوتي

وأحيي ها هنا أهل ودادي

هذه الأرض درجنا فوقها

وتحدينا بها أْعدى العوادي

وغرسناها سلاحاً وفدًى

ونصبنا عزمنا في كل وادي

وكتبنا بالدما تاريخها

ودما قوم الهدى أسنى مداد

هكذا قل: يا ابن “عكا” ثم قل:

هاهنا ميدان ثاري وجلادي

يا أخي يا ابن فلسطين انطلق

عاصفاً وارم العدى خلف البعاد

سر بنا نسحق بأرضي عصبةً

فرقت بين بلادي وبلادي

قل: “لحيفا” استقبلي عودتنا

وابشري ها نحن في درب المعاد

واخبري كيف تشهتنا الربى

أفصحي كم سألت عنا النوادي!

قل: لاسرائيل يا حلم الكرى

زعزعت عودتنا حلم الرقاد

خاب “بلفور” وخابت يده

خيبة التجار في سوق الكساد

لم يضع، لا لم يضع شعب أنا

قلبه وهو فؤادٌ في فؤادي

قل: “لبلفور” تلاقت في الفدى

أمة العرب وهبث للتفادي

* * *

وحد الدرب خطانا والتقت

أمتي في وحدةٍ أو في اتحاد

عندما قلنا: اتحدنا في الهوى

قالت الدنيا لنا: هاكم قيادي

ومضينا أمة تزجي الهدىأ

أينما سارت وتهدي كل هادي

 

 

(العصر الثاني في هذا العصر)

عنّت وولّت كهذا الوقت أوقاتُ

جاءت كأسيادها، ماتت كما ماتوا

كانت لهم، مثلما كانوا لها فمضت

كما مضوا، لا هنا أضحت، ولاباتوا

فكيف أغربَ هذا الوقت مات وما

ولّى؟ وأسياده ماتوا ومافاتوا

في كل قصرٍ لعينيه وأعينهم

يموج عرسٌ وأعيادٌ وعاداتُ

* * *

لا الموت يمحو، لكي يرقى النقيض ولا

لأي حيٍّ مِن التمويت إفلاتُ

عما سيأتي، أتى الماضي وما اعتذرَتْ

إلاّ (سفينة نوحٍ) والمروءاتُ

عن يوم (حِطّين) جاء الطين يجرفهُ

إلى (فلسطين) طيّانٌ وزفّاتُ

حتى المنايا اللواتي خاض عنترةٌ

رجعن أصبى، لهنَّ الآن مُوضاتُ

ماذا تطوّر غير المُسخ يا زمني؟

مَن قال هذا؟ سكوت الكل إسكاتُ

إن كانَ مَن زوّروا أنيابهم قُبَلاً

يعطون حُبّاً، فما هنَّ العداواتُ؟

* * *

مَن أنت يا ذاك؟ مَن لو شمَّ مِن (كنَدا)

(صنعا) لأورق فيه البُنُّ والقاتُ

وراء سرب القوافي صاعدٌ جبَلاً

وفي البحور الخليليات حوّاتُ

حتماً، إلى أي إرهاب ستنسبُهُ

فأنت – يا خالق الإرهاب – نعّاتُ

 * *

يا طفل حَربَين تبدو زوج ثالثةٍ

لها بإبطيك خالاتُ وعمّاتُ

ألا ترى القتل يُدمي كل ثانية

كما تُؤدّى على الدرب التحيّاتُ!

لا شيء يسمع أذنيه ولافمهُ

ولا خرافاتك العجلى خرافاتُ

مَن أنت يا ذاك؟ شطرٌ من مُعلّقةٍ

وما اسم بيتيك؟ حمّالٌ وزيّاتُ

أَسْكِتْ قوافيك، حاورني مُرامزةً

لهنَّ يا صاحبي مثلي مُهمّاتُ

..لو كنتَ أرشق من أنّات ساقية

كفتك عن جمرة القلب الإشاراتُ

(سيزيف) ناء بصخر واحد وأنا

صخري جدارٌ حديديٌ وغاباتُ

(السندباد) امتطى ظهر البحور، أنا

تأتي وتمضي على صدري المحيطاتُ

فهل توازي ملايين الرموز قوىً

الأرض في قبضتيها والسماواتُ؟

* * *

– أرى عليك (حزاماً) صُنع والدتي

لَكُنَّ عقم الحشا يا قرمطياتُ

لأن أمّك أنبوبٌ صرختَ أسىً

ليَ الرئاسات قَيناتٌ وزوجاتُ

لا أنت أغلى، ولا هنَّ الأجَدُّ صباً

أزرى بنات الهوى، هنَّ الرئاساتُ

ما كل ما تبتغيه تشتريه، ولا

تقوى على كل ما تخشاه قُوّاتُ

لا تنخدع لست يا عصر النجوم، سوى

بنكٍ إلى حلقهِ تنصبُّ قاراتُ

* * *

إذا تداعت بلادٌ، أنت ذو مهَلٍ

وإن توهَّجَ شعبٌ أنت بغّاتُ

فكم تُصلّي بباكستان مِن جُمعٍ

وأنت في (القدس) و(السمُّوع) سبّاتُ

في (نيكرجوا) رصاصيٌ هوىً ويداً

في (أم درمان) سبّاكٌ وفتّاتُ

في (الكرخ) سعدون، في (طُوس) ابن فاطمةٍ

وإن وجدتَ كويتياً فكوّاتُ

لأن قلبك ذو بوّابتين، لهُ

في القصر قصران: غلاّمٌ وبنّاتُ

* * *

الآدمية في كفيك محبرةٌ

وأنت في قبضة الآلات آلاتُ

لأن بيتك مُبيضَّ السواد، فَمِن

أقصى حناياك تنهلُّ الزّرافاتُ

* * *

كل الرؤوس التي تطغى هنا وهنا

لهنّ من غابة (الدولار) نَحّاتُ

يُعلي على كل شعبٍ باسمه شبحاً

له مِن الوحل أذيالٌ وهالاتُ

هذي المجنزرة الحُبلى مؤمَّرة

وذلك المدفع المكبوت كبّاتُ

* * *

هل بيتُك الأرض كل الأرض يا شجَني

وكل بيتٍ من الأجداث أبياتُ؟

للأرض بيتاً وقبراً أخلَصت مِقَتي

فمِن جناها الأعادي والحبيباتُ

مِن أجل مَن تصطفي تهوَى مُعاكِسَهُ؟

للقلب قلبان: عَشّاقٌ ومَقّاتُ

أغلوطةٌ تلك؟ بل هذا يقوم بذا

إن التجاوز وصّالٌ وبتّاتُ

* * *

تقول ماذا؟ وعصر المخبرين على

باب التوابيت: طبّاخٌ، وتوّاتُ

والهدنةُ النّحس حربٌ نصف قائمةٍ

بأمر مَن تخدع الحبر العباراتُ؟

* * *

هذي الغرابةُ عيناها كَسُرّتها

مِن المسامير، لا هاكم ولاهاتوا

ترى ملاستَها في ظل قامتها

كما تحدِّق في المرآةِ مرآةُ

ومالها سرُّ موجودٍ ولا عدمٍ

ولا تنازعَها نفيٌ وإثباتُ

لأنها انسربَت مِن كل نافذةٍ

وما درى أي بابٍ رجعة “النّاتو”

على الجباه العوالي وقع أرجُلِها

وما لتوقيعها في السمع أصواتُ

لأنها اليوم تبدي وجه عاشقةٍ

مثل الحنان الذي يبديه إشماتُ

* * *

مَن ذا يراها، ويدري ما يرى، ولها

تحت التّنكُر إبحارٌ وإخباتُ؟

كانت تجيء كتمساحٍ على (حَمَلٍ)

واليوم يرقص فيها (الذئب) و(الشاةُ)

فيشرب القتلُ والمقتولُ نخب هوىً

للقتل بالحب – قبل الوقت – ميقاتُ

* * *

فهل سيُمسي حصان الأمس طائرةً

لأن أصل (حَمام) اليوم (حيّاتُ)؟

هذي التغايير، تشكيل الشكول، إلى

أخرى، وتذييت ما تفني به الذّاتُ

يا دُورَهُم، يا بيوت الشعب، يا وطني

هل هذه الخِرَق الرخوات راياتُ؟

ويا تمادي رُبَى الإِسمنت قل لهمو

مستعمر اليوم: نبّاشٌ وسَمّاتُ

في كل منبت عنقود وسنبلةٍ

تعلو بيوتٌ، وما فيهن بَيّاتُ

* * *

هذا التَّصحُر يستغشي الرؤوس، فما

لهن نبضٌ، وهل للنقع إنباتُ

مِن أين يومض برقٌ والغمام حصىً

وموعد السنوات الصفر إسناتُ؟

ما أنجبَت غير (عبدالناصر) امرأةٌ

ولا اقتفى (الحسن البصري) قنّاتُ

هل أمة الفرد أعطت قهرها سبباً

فألّهت فوقها السوط العمالاتُ؟

* * *

قالوا (زمانٌ رديءٌ) باسم مَن شمخَت

وعسكرت حولها الموت الرَّداءاتُ؟

لو لم تكونوا، لما كانت، إذا احتشدَت

أقوى الرَّداءاتِ، قل أين الإجاداتُ؟

* * *

هذا الرماد الذي ينساق منتفخاً

شتّان، في الجمع في التجميع أشتاتُ

قالوا: لكل زمان آيةٌ، صدقوا

هذي الشظايا لهذا العصر آياتُ

كيف اقشعرّيت يا قلب التراب؟ متى

تحكي؟ أما أزغبَت فيك البداياتُ؟

في هجس عينيك ماضي كل آتيةٍ

قلها: أما أينعَت فيك الرواياتُ؟

* * *

هل يركض الشوق كي يلقى السؤال فماً

وكي تلوح لوجه البدء غاياتُ؟

يا (سيبويه) انزوت في القلب صامتةً

مليون حتّى، أصَمْتُ القلب إنصاتُ؟

عام 1989م

 

 

(السفر إلى الأيام الخضر)

يا رفاقي.. إن أحزنت أغنياتي

فالمآسي.. حياتكم وحياتي

إن همت أحرفي دماً فلأني

يمني المداد… قلبي دواتي

أمضغ القات كي أبيت حزيناً

والقوافي تهمي أسى غير قاتي

أنا أعطي ما تمنحون احتراقي

فالمرارات بذركم ونباتي

غير أني ومدية الموت عطشي

في وريدي أشدو فألغي وفاتي

فإذا جئت مبكياً فلأني

جئتكم من مماتكم ومماتي

عارياً.. ما استعرت غير جبيني

شاحباً.. ما حملت غير سماتي

جائعاً… من صدى (أبن علوان) خبزي

ظامئاً من ذبول (أروى) سُقاتي

* * *

ربما أشتهي وأنعل خطوي

كل قصر يومي إليك فتاتي؟

أقسم الجد… لو أكلنا بثدي

لقمة من يد… أكلت بناتي

* * *

قد تقولون ذاتي الحس… لكن

أي شيء أحس..؟ من أين ذاتي؟

كل هذا الركام جلد عظامي

فإلى أين من يديه انفلاتي؟

يحتسي من رماد عينيه لمحي

يرتدي ظل ركبتيه التفاتي

تحت سكينة تناءى اجتماعي

وإلى شدقه تلاقي شتاتي

آخر الليل… أول الصبح.. لكن

هل أحست نهودها أمسياتي؟

* * *

هل أداري أحلامكم فأغني؟

للأزاهير والليالي شواتي…

عندما يزهر الهشيم سأدعو:

يا كؤوس الشذى خذيني وهاتي

ألشتاء الذي سيندى عقيقاًُ

يبتدي موسم الورود اللواتي…

ليس قصدي أن تيأسوا لخطاكم

قصة من دم الصخور العواتي

* * *

يا رفاقي في كل مكسر غصن

إن توالى الندى ربيع، مواتي

يرحل النبع للرفيف ويفني

وهو يوصي: تسنبلي يا رفاتي

والروابي يهجسن: فيم وقوفي

هًهُنا يا مدى… سأرمي ثباتي؟

سوف تأتي أيامنا الخضر لكن

كي ترانا نجيئها قبل تأتي

أغسطس1974م

** ** **

(رابع الصبح)

كان منهم، لهم يغنّي ويخطُبْ

وإلى مَن يُهمُّه الأمر يكتبْ

لا يقول الذي يقال، يوافي

بالفُجاءات مِن وراء التحسُّبْ

وينادي: يا صعب أدري لماذا

أنت صعبٌ.. فكيف يا سهل تصعُبْ؟

* * *

يا تواريخ يحصبَ أي سِفرٍ

يخبر اليوم: أين أطفال يحصُبْ

يا قناديل هل لكن التهابٌ

كاشفٌ، أم تظاهرٌ بالتلهُّبْ؟

* * *

يسأل الشمس ما حنين الروابي

يسأل المَرج كيف يصبو ويشحُبْ

ما دهى الرمل كيف ينساح ركضاً

والينابيع، هل ترى كيف تنضُبْ!

إن مَن أوثبوا جلود الصحاري

نزعوا مِن حشَى المياه التوثُّبْ

كان عصر الطغاة يُعطي ويُردي

جاء عصر الغزاة يردي ويَسلُبْ

* * *

ما دعوه تقدماً أنراهُ،

يا صحابي- تأرجحاً أم تذبذبْ؟

طينةً ترتخي بجرّة ماءٍ

وصخوراً في غمرة الماء تصلُبْ

* * *

كان منهم يرى ويُصغي إليهم

كصبيٍّ يعي دروس التأدبْ

في الأسامي يغوص خلف المُسمَّى

أين يثوي ويستشير التَّلَقُّبْ

يقرأ القلب حين يصعد وجهاً

يصحَب الوجه حين في القلب يرسُبْ

وإلى أغمض الحوادث يومي

فيحسُّونها تخفُّ وترطُبْ

* * *

مثلهم يحرث التراب ولكن

صوتُه من سريرة الورد يحلُبْ

ويُغنّي: عندي ثُمالةُ قلبٍ:

أي وادٍ فيه بقايا تحدُّبْ؟

مثلهم يأكل (العصيد) ويجري

بينهم كالغدير في الكل يسكبْ

مثلهم ينظر النجوم، ولكن

يتجلّى ما لا يرون ويثقُبْ

ويشمُّ الرياح مثل سواهُ

ويحييّ ريحاً مِن الريح تهربْ

ويناجي غمامةً ما رأوها

ويراها مِن هاجس البرق تقربْ

* * *

ينظر النبتة الصغيرة قلباً

فيه سهلٌ سيستطيل ويرحُبْ

ويُسمّي الرُّبى نثير جباهٍ

عَرقَ الجُهد، نثّها في التَّصبُّبْ

يسمع (الدِّمنة) التي شاخ فيها

جدُّ (عادٍ) يشِبُّ فيها التَّشبُبْ

* * *

خلف هذا الذي يلوح سواهُ

انظروا ما أشفّ نسج التأسلُبْ

وادخلوا الشيخ مِن بَنان يديه

وادخلوا القَسَّ مِن مسوح الترهُّبْ

الأمور التي تسبِّب أخرى

تسبق الناتجات عنها التَّسبُّبْ

* * *

فيقولون: كيف يدري ونعيا

ليس ك(ابن الفقيه) يقضي ويحسُبْ

إنه يفتح الثرى والثريّا

مثلما يكسر الحروف وينصُبْ

وهو يرقى منهم ويهمي إليهم

ولهم يمتطي شعاب التَّشعُّبْ

* *

يبصق اللافتات حين تُرائي

فتغنِّي بحسنها وهي تندُبْ

وتُحاكي مذياع (سعدٍ وقيسٍ)

فتُوالي كالناعقين وتشجُبْ

* * *

ولذا يدخل الجذور سَؤولاً

أي شيءٍ هناك يدنو ويعزُبْ؟

ينثني عن أرومة التّين يروي

وإلى صفرة البساتين يَنسُبْ

وعن الصيف: كيف أغرسُ قلبي

عِنَباً والخريف يُبديه (عُثربْ)

ويبثُّ الذي تكنُّ الدَّوالي

وعن الخوخ يستعيد التعتُّبْ

* * *

يعلن البدء وهو في السرِّ نبضٌ

مثلما يعلن الربيعُ التأهُّبْ

عندما تصبح العيون قلوباً

مِن حنين ترى حضور التغيُّبْ

* * *

مقلتاه وحاجباه وفُوهُ

كالعناوين في كتاب التقلُّبْ

فإذا قال أعجب الكل قولاً

وإذا لم يقل أثار التعجُّبْ

وينادُونه إلى كل مُرٍّ

وإذا أولموا ينادُون جُندُبْ

* * *

قل لذاك الذي أبى أن يُداجي

إن عندي لكل داءٍ تَطبُّبْ

من تقاوي وكلهم منك أقوى؟

طالما أثمر الغلاب التغلُّبْ

اجتنب – كالكثير – هذا، لماذا؟

لا استراحوا ولا اطمأن التجنُّبْ

ربما ألَّبوا عليك الدواهي

فليكن، لا عدمت هذا التألُّبْ

هل لديهم سوى جهاز التحرّي

واغتيال النجوم، إلاّ التسيُّبْ

* * *

أنت يا صاحبي غريب النواحي

ما تربّت غرابتي في التغرُّبْ

واضحٌ عنك ما تعصَّبت يوماً

ولهذا أغفلْتَ أهل التعصب

كان فوضى فمذهبوهُ، تبيَّنْ

هل لهم أي مذهبٍ أو تمذهُبْ؟

* * *

ما أراك اكتسبت غير المنايا

هنَّ إلفي وراثةً أو تكسُّبْ

أتراني نزحت عنهن حيناً

بل يحاولنهنَّ عنك التَّحجُّبْ

المنايا هُنَّ المنايا، عوارٍ

أو كواسٍ مزوَّقات التَّنقُّبْ

وسواءٌ هاجمن دون عيونٍ

أو تعاقبن مِن عيون التَّعقُّبْ

جرَّب البعض ما تخوض وتابوا

عادة الطيب، غير جلب التَّطيُّبْ

* * *

كيف تستنبح العِدى وتُغنيِّ؟

أي صوتٍ ولا وجوم التَّهيُّبْ

أتظن السُّكوت يحمل وصفاً؟

أيُسمّى تعادياً، أم تحبُّبْ؟

أتَراني دنوت منك قليلاً

للأماني قُربى تفوق التَّقرُّبْ

* * *

كان كالبحر لا ينام ولكن

كان عكس البحور يحنو ويعذُبْ

يتهادى جداولاً وقطوفاً

ويُري شارِبِيه مغزى التَّشرُّبْ

نصفُه مِن نواظر الكل يرنو

نصفُه في جوانح الكل يغرُبْ

* * *

صار بيت البيوت، مقهى المقاهي

ربما يمنعون فيه التَّحزُّبْ

أو يقولون لست فرداً ولكن

عالَمٌ مِن خطورة في تهذُّبْ

فليقولوا، فما تنكَّب هولاً

أو رأى الهول ينثني بالتَّنكُّبْ

* * *

إن نأى المستحيل عن قبضتيهِ

فإلى بابه يحث التَّطلُّبْ

رابع الصبح والدُّجى والتمادي

قلبُهُ ثالث الأسى والترقُب

يحمل العصر في يديه كتاباً

وعليه فطريَّةُ الشيخ يعرُبْ

عام 1988م

قوائم التشغيل
خطابات القائد